في أعقاب الإعلان عن قرار التقسيم واقتراح إقامة دولتين في فلسطين في نهاية العام ١٩٤٧ وبعد التغييرات التي لا بد أن تحصل وأبرزها قرار الحكومة البريطانية الانسحاب من فلسطين ونية الجيوش العربية الدخول في حال الإعلان عن دولة يهودية، أخذ بن غوريون يستشعر خطورة الوضع الذي ستكون عليه الدولة الوليدة، فتبنى حينها استراتيجية عسكرية مغايرة لتلك القائمة والتي تتمثل بالمنظمات الإرهابية الهاجاناه وشتيرن وإرغون.
حيث قامت هذه الاستراتيجية في العمل على إقامة جيش باستطاعته مواجهة الجيوش العربية التي ستدخل. وإذا ما عدنا بالتاريخ إلى الوراء حيث بداية تشكل أول عصابة إرهابية ستحط رحالنا في الربع الأول من القرن العشرين حيث تشكلت نواة أول عصابة في فلسطين.
فمع تدفق اليهود من روسيا وأوروبا الشرقية للاستيطان في فلسطين نشأت عام ١٩٠٩ مستوطنة هاشومير حيث كانت وقتها تدافع عن أربع عشرة مستوطنة أخرى طورت قدراتها الهجومية السرية واستعدت لتلك الحرب التي آمنت بها للسيطرة على فلسطين.
وقد اعتبرت هذه المستوطنة نفسها النواة الأولى لذلك الجيش اليهودي الذي سيولد في المستقبل. وقد نفذت قوات هذه المستوطنة العديد من عمليات القتل والتصفية ليست فقط الموجهة للفلسطينيين بل تعدت لبعض أعضاءها أيضا.
وفي عام ١٩٢٠ تطورت هذه الهاشومير لتصبح الهاجاناه والتي اعتبرها البريطانيون فيما بعد الذراع الدفاعية شبه العسكرية للمستوطنات. وفي العام ١٩٣١ وبعد أن استقال إرغون زئيفي من الهاجاناه بسبب عدم توافق سياسته مع سياسة بن غوريون، فشكل عصابة الإرغون الصهيونية،
ثم انشق عن هذه العصابة مناحيم بيغن وشكل عصابة ليحي. وقد نفذت هذه العصابات بمجملها عمليات التصفية والاغتيالات كما نفذت المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني عام ٤٨. وبعد الإعلان عن قيام الدولة أعلن بن غوريون عن فك هذه المنظمات وتوحيدها ،وبالرغم من أن بن غوريون ادعى أن هذه المنظمات وأبرزها الهاجاناه تختلف عن الجيش.
إلا أن الحقيقة هي أن الجيش هو امتداد أكيد لتلك المنظمات أو على الأقل كما قال الجنرال يعقوب دوري “صحيح أن جيش الدفاع الإسرائيلي ليس استمرارا للهاجاناه ، جيش الدفاع هو شيء جديد ومختلف ولكن لا جدل في أنه أقيم على أسس الهاجاناه. وليس فقط على الهاجاناه بل على التراث العسكري كله”.
والمتتبع للمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال منذ تأسيسه وعبر مسيرة هذه الدولة لا بد أن يجد أنها لا تقل فظاعة عما ارتكبته العصابات” النواة” بالفلسطينيين ،والتاريخ يشهد ويحفظ وقائع كثيرة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العقيدة التي توحد أفراد تلك العصابات كما أفراد الجيش فيما بعد، مع اختلاف تطهير الكلمات من عصابات يعكس اسمها الولغ بالدم إلى جيش أنيق وأخلاقي. إنها عقيدة الكتب التي دونها حاخامات ساديون متعطشون للدم الفلسطيني باسم فطير مدنس كلما نضج أعادوا عجنه بدم جديد.
وها هو جيش الاحتلال يواصل الإرهاب الذي ورثه من تلك العصابات في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ فارتكب مئات المجازر والتجاوزات اللاإنسانية والتنكيل بالأموات قبل الأحياء.